حظر السفر في ولاية ترامب الثانية.. تآكل حقوق الإنسان والحريات تحت ذريعة الأمن القومي

عقب وقوع حادث كولورادو

حظر السفر في ولاية ترامب الثانية.. تآكل حقوق الإنسان والحريات تحت ذريعة الأمن القومي
أحد المطارات الأمريكية- أرشيف

في خطوة تعد الأولى من نوعها خلال ولايته الثانية، قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض قيود كاملة وجزئية على دخول مواطني 19 دولة إلى الولايات المتحدة، من بينها أربع دول عربية، متذرعاً باعتبارات أمنية.

القرار الجديد يعيد إلى الأذهان حظر السفر الذي فرضه ترامب في ولايته الأولى عام 2017، والذي أثار حينها موجة انتقادات حقوقية ودولية واسعة.

ويرى خبراء في الشأنين الحقوقي والأمريكي، في تصريحات لموقع “جسور بوست”، أن القرار يمثل انتهاكاً جديداً لحرية التنقل، ويقوّض صورة الولايات المتحدة كبلد يدّعي احترام الحريات والحقوق. 

ويشير الخبراء إلى أن الذرائع الأمنية لا تبرر التعميم أو التمييز الجماعي، معتبرين أن الرئيس ترامب يواصل تنفيذ أجندته اليمينية المتشددة غير المبالية بحقوق الإنسان.

وبحسب ما أعلنه البيت الأبيض، يشمل الحظر الكامل مواطني 12 دولة هي أفغانستان، وبورما، وتشاد، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وغينيا الاستوائية، وإريتريا، وهايتي، وإيران، وليبيا، والصومال، والسودان، واليمن.

فيما يفرض قيوداً جزئية على سبع دول أخرى هي: بوروندي، وكوبا، ولاوس، وسيراليون، وتوغو، وتركمانستان، وفنزويلا.

ومن المقرر أن يدخل القرار حيّز التنفيذ ابتداءً من يوم الاثنين المقبل، مع استثناءات تشمل المقيمين الشرعيين، وحاملي التأشيرات السارية، وبعض الفئات الخاصة، إضافة إلى الحالات التي تبررها "المصلحة الوطنية الأمريكية".

التهديدات الخارجية

في بيانه، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن قراره يأتي استكمالاً للجهود التي بذلها خلال ولايته الأولى لـ"منع التهديدات الأمنية من اختراق الحدود الأمريكية"، مشيراً إلى أن المحكمة العليا أيدت تلك الإجراءات آنذاك.

وأضاف: "ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون يقظة أثناء إصدار التأشيرات، لضمان ألا يشكل القادمون تهديداً لأمننا القومي أو لقيمنا ومؤسساتنا".

وشدد ترامب على أن بلاده لن تسمح بدخول أشخاص يحملون "مواقف عدائية" تجاه أمريكا أو يدعمون الإرهاب بأي شكل من الأشكال.

وبحسب ما أوردته شبكة “CNN”، فإن قرار ترامب جاء بعد هجوم استهدف تجمعاً مؤيداً لإسرائيل في مدينة بولدر بولاية كولورادو، حيث أسفر الهجوم، الذي نفذه شخص يُدعى محمد صبري سليمان باستخدام قنابل حارقة، عن إصابات خطيرة، وقد دخل الولايات المتحدة عام 2022 بتأشيرة سياحية قبل أن يتقدّم بطلب لجوء.

واعتبر ترامب الحادث دليلاً على "ثغرات خطيرة في نظام التدقيق على الأجانب"، مؤكداً في رسالة مصوّرة من المكتب البيضاوي أن "الهجوم الإرهابي الأخير يسلّط الضوء على خطورة القصور الأمني"، داعياً إلى "إجراءات أكثر صرامة".

وفي توضيح رسمي، قالت نائبة المتحدث باسم البيت الأبيض، أبيغيل جاكسون، إن القرار مبني على تقييمات أمنية مفصّلة، تراعي مدى تعاون الدول مع واشنطن في تبادل المعلومات الاستخباراتية، ونسب تجاوز الإقامة المسموح بها، وضعف أنظمة الفحص في تلك الدول.

وأضافت أن الحظر "ليس عشوائياً، بل مدروسا ومبنيا على بيانات دقيقة تهدف لحماية المواطنين الأمريكيين".

سياسات تمييزية

من جانبه، رفض مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR) القرار واعتبره "امتداداً لسياسات التمييز التي تنتهجها إدارة ترامب"، قائلاً في بيان: "هذا الحظر ليس إجراءً أمنياً بل استغلالا سياسيا لمشاعر الخوف والانقسام".

في المقابل، عبّر عدد من الجمهوريين عن تأييدهم الكامل للقرار، واعتبر السيناتور توم كوتون أنه "يعيد تفعيل أدوات الحماية التي عطّلها الديمقراطيون".

أما على الصعيد الدولي فقد أدانت وزارة الخارجية الإيرانية القرار واصفة إياه بـ"العنصري والمعزّز لسياسات العزل والتخويف".

وفي تعليق من ليبيا، قال موسى علي الغويل، المستشار القانوني والناشط الحقوقي وأحد مشايخ وأعيان ورفلة بمدينة بني وليد، إن هذا القرار يعد خطوة تمييزية تنتهك مبدأ حرية السفر المكفول في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان".

وأضاف الغويل في تصريح لـ"جسور بوست" أن القرار "عام ومجحف، ويعكس عقلية إقصائية لا تميز بين الأفراد، ولا تستند إلى تقييم دقيق للواقع في كل دولة"، مؤكداً أن "الليبيين لا يرون في الولايات المتحدة وجهة استثنائية، والعالم مليء بالفرص خارج أمريكا".

واختتم حديثه قائلا: "إن استمرار هذه السياسات يكرّس العزلة ويقوّض العلاقات بين الشعوب، وندعو إلى احترام القانون الدولي واتخاذ قرارات عادلة لا تُبنى على مواقف سياسية أو عنصرية".

ازدواجية حقوقية

من جانبه، قال الأكاديمي المتخصص في الشؤون الأمريكية والعلاقات الدولية الدكتور سعيد صادق، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن ترامب استغل حادث كولورادو ليكمل خطته في تشويه المهاجرين وتزداد معها وتيرة الانتهاكات ضدهم، مشددا على أن ترامب لا يزال متجرأ على الملف الحقوقي بقوة وبشكل يسيء للولايات المتحدة.

وأوضح أن "سمعة حقوق الإنسان في العالم الغربي والولايات المتحدة بعد صمتهما على ما يحدث في غزة كانت كاشفة، وما نراه من انتهاكات اليوم يعبر عن مستقبل خطير ومقلق"، مشددا على أن ترامب مصر على تنفيذه وعوده غير الإنسانية والانحياز لتفكيره اليميني المتطرف العنصري تحت غطاء بتبريرات أمنية.

وأضاف صادق أن "ما يقوم به ترامب ليس إجراءً معزولًا، بل هو امتداد لنهج ممنهج يهدف إلى ترسيخ خطاب الكراهية والخوف، وتغذية الانقسام الاجتماعي، بحجة الحفاظ على الأمن القومي"، مؤكداً أن استغلال الحوادث الأمنية الفردية، كما في حالة بولدر، أصبح أداة متكررة في خطابه الشعبوي، ووسيلة لإرضاء قاعدته اليمينية المتشددة.

ومضى قائلا: "سمعة حقوق الإنسان في الغرب، والولايات المتحدة على وجه الخصوص، تعرضت لتآكل واضح، ويعكس ترامب هذا التراجع، إذ لم يعد يخجل من تبني سياسات علنية قائمة على التمييز والفرز العرقي والديني".

أمريكا في مفترق طرق

قرار ترامب الأخير بإعادة فرض حظر السفر على مواطني 19 دولة –معظمها من الدول النامية أو التي تعاني اضطرابات سياسية وأمنية– يكشف عن مسار سياسي يعيد التوتر بين شعار "أمريكا أولاً" ومبادئ الحريات التي لطالما تغنّت بها الديمقراطية الأمريكية. 

فبينما تبرر الإدارة القرار باعتبارات أمنية، يرى منتقدوه أنه تكرار لسياسات شعبوية تعزز مناخ العداء تجاه المهاجرين والأقليات وتُوظف الخوف كأداة سياسية انتخابية.

وفي ظل الاستقطاب السياسي الحاد الذي تعيشه الولايات المتحدة، خاصة مع اقتراب الانتخابات، يبدو أن ترامب يراهن على تعبئة قاعدته الانتخابية المحافظة عبر تصعيد خطابه المعادي للهجرة، متجاهلاً التداعيات الحقوقية والإنسانية، بل وحتى الاقتصادية، لهذا النوع من السياسات.

من ناحية أخرى، فإن هذا القرار يأتي في وقت تواجه فيه صورة الولايات المتحدة الدولية تحديات جسيمة، لا سيما بعد الانتقادات العالمية بشأن موقفها من ملفات مثل الحرب في غزة، والانتهاكات الحقوقية داخل حدودها، ما يضعف خطابها التقليدي كـ"قائد عالمي للحريات وحقوق الإنسان".

الأكثر خطورة أن سياسات الحظر الشامل –دون تمييز بين الأبرياء والمشتبه بهم– تهدد بإضعاف العلاقات مع دول كثيرة، وتدفع المجتمعات المتأثرة إلى الشعور بالإقصاء، ما قد يغذي نزعات التطرف بدل محاربتها، بدلاً من العمل مع تلك الدول لتحسين البنية الأمنية والتعاون الاستخباراتي، تُختزل الحلول في قرارات أحادية تقطع الجسور وتبني الجدران.

في هذا السياق، يُدق القرار ناقوس الخطر بشأن مستقبل النظام العالمي المبني على التعاون الدولي واحترام التنوع، إذ تقف الولايات المتحدة اليوم عند مفترق طرق: إما العودة إلى التوازن بين الأمن والحقوق، أو الاستمرار في مسار يُهدد قيمها الليبرالية، ويعزلها عن بقية العالم تحت ذريعة حماية الداخل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية